شؤون محلية

حبس ( ابل ) 3 اشهر مع النفاذ بتهمة تحقير
 المنهج السلفي الذى يمثل مذهب اهل السنة والجماعة

ناصر ابل عقب الإفراج عنه                          تصوير حسن يونس
( السور السابع - الراى ) قضت محكمة الجنايات أمس برئاسة المستشار عبدالرحمن الدارمي وأمين السر سعد عبدالله في قضية المغرد ناصر أبل ببراءته من التهمة الأولى (إذاعة أخبار كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد) وبحبسه ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ عن التهمة الثانية
(تحقير لمذهب ديني هو المذهب السني).
وتتلخص الواقعة بما شهد به ضابط أمن الدولة بأن تحرياته السرية دلت على وجود كتابات (تغريدات) في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على الإنترنت تسيء إلى السعودية والبحرين وإلى المذهب السلفي وتبين له أنها صادرة من المتهم الذي استغل حسابه في موقع (تويتر) لاذاعة تلك التغريدات التي من شأنها التأثير سلبا على علاقة دولة الكويت بمملكتي السعودية والبحرين وتحقير المذهب السني، وأضاف ان المتهم أقر أمامه بصدور تلك التغريدات من حسابه إلا أنه أنكر صلته بها مدعيا بأن الحساب تعرض لاختراق من قبل مجهولين (هاكرز) وانتهى إلى انه لم يتحر عن المتتبعين لحساب المتهم في موقع (تويتر) وان عددهم لا يشكل أي أهمية.
وصرح المحامي خالد الشطي الموكل من أبل وقال «ان براءة موكلي أصابت كبد الحقيقة ويجب أن يكتب هذا الحكم بماء الذهب على قناديل من فضة ويعلق على صدر قصر العدل وسنستأنف التهمة الثانية غدا ونأمل براءته منها بالاستئناف».
ورأت المحكمة في حكمها: حيث انه لما كان ما تقدم جميعه وبناء عليه، فإن المحكمة - بعدما أحاطت بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وعاودت النظر في أوراقها المرة تلو الأخرى - لا تساير النيابة العامة في التهمة الأولى المسندة إلى المتهم، إذ ان النموذج القانوني لنص مادة الاتهام لا يطابق الفعل الذي ارتكبه المتهم بالمرة، وآية ذلك ما يلي: سبقت الاشارة إلى ان الجريمة المنصوص عليها في المادة (15) من القانون رقم 31 لسنة 1970 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجزاء تشترط وقوع الفعل المادي في الخارج وليس الداخل، أي أن يكون الجاني وقت ارتكابه فعل الاذاعة أو مباشرة النشاط خارج دولة الكويت، أو أن يكون داخلها مع امتداد أثر فعله إلى الخارج، والثابت من الأوراق أن المتهم أذاع التغريدات موضوع الاتهام عن طريق حسابه في موقع تويتر، وهذا الموقع ولئن كان على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، إلا ان ما يعرضه أو ينشره المشترك فيه لا يكون متاحا للكافة في داخل البلاد وخارجها، ولا يمكن الاطلاع عليه سوى من قبل عدد محدود من الأفراد هم المتتبعون لهذا المشترك (Followers)، وبالتالي إذا كان هؤلاء جميعا داخل البلاد فإنه من غير المقبول اعتبار ان العرض او النشر قد تم في الخارج، أما اذا أعيد ارسال ما عرضه أو نشره المشترك من قبل متتبعيه إلى مشتركين آخرين (Retweet) ليصل إلى خارج البلاد، فإن المسؤولية عندئذ لا تقع عليه وإنما على من قام بإعادة الارسال باعتبار ان العقوبة شخصية، فالشخص لا يتحمل إلا وزر نفسه، ولا يُدعى إلى حمل وزر غيره، وهو ما أكدته المادة (33) من الدستور التي جاءت تطبيقا لقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وقد أجدبت الأوراق مما يثبت بصورة يقينية أن أحدا من متتبعي المتهم كان في الخارج لا سيما وانه قرر أمام وكيل النيابة بأن عدد المشتركين الذين يتتبعون حسابه في موقع تويتر هو نحو 530 مشتركا، ولا يوجد في العقل أو المنطق ما يمنع من أن يكون هؤلاء جميعا داخل دولة الكويت، بل ان هذا الاحتمال هو الأقرب بالنظر إلى أن المتهم كويتي الجنسية وليس من الشخصيات الإعلامية أو العامة ليكون ثمة من يتتبع حسابه في الخارج.
وسبقت الاشارة إلى أن الجريمة لا تقوم إلا بفعل مادي يتصف بالخطر، فيجب - في الصورة الأولى من الجريمة - أن تكون الأخبار أو البيانات أو الإشاعات الكاذبة أو المغرضة التي أذاعها المتهم في الخارج من شأنها اضعاف الثقة المالية بالدولة أو المساس بهيبتها واعتبارها، كما يجب - في الصورة الثانية من الجريمة - أن يكون النشاط الذي باشره المتهم في الخارج من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، ويكون الفعل متصفا بالخطر متى تبين انه من المحتمل او من الممكن ان يؤدي - في الظروف التي اكتنفته - الى احدى النتائج الضارة بأمن الدولة والمبينة بالنص، وينبني على ذلك انه اذا كان ما اذيع او بوشر لا يضر باحدى تلك النتائج بوضوح، فإن الجريمة لا تتحقق لانتفاء خطر الفعل، والمحكمة - بما لها من سلطة في فهم وتحصيل الواقع في الدعوى وتقدير مدى توافر اركان الجريمة - ترى ان ما ارتكبه المتهم لا يشكل خطرا على أمن الدولة، لا من حيث اضعاف الثقة المالية بالدولة او المساس بهيبتها واعتبارها، ولا من حيث الاضرار بالمصالح القومية للبلاد، فالتغريدات موضوع الاتهام لا تعبر إلا عن رأي شاذ للمتهم الذي يعمل بحارا في احدى شركات الملاحة، ولا يمثل اي جهة رسمية او غير رسمية في الدولة، ولا مشاحة في ان هذا الرأي لا يعبر عن رأي حكومة دولة الكويت او شعبها اللذين تربطهما اواصر المحبة والاخوة والتلاحم - منذ قديم الزمن بحكام المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وشعبيهما الكريمين، كما ان هيبة الكويت واعتبارها وعلاقاتها مع كل من السعودية والبحرين اعلى وامتن من ان يزعزهما قول ممجوج غير متزن وواضح الاختلاق، وحيث انه لما كان ذلك، فإن الاركان القانونية للجريمة المسندة الى المتهم تكون غير مكتملة، الامر الذي تقضي معه المحكمة ببراءته من التهمة الاولى المسندة اليه عملا بنص المادة 1/172 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
واضافت: وحيث ان المادة 111 من قانون الجزاء تنص على ان «كل من اذاع باحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101 آراء تتضمن سخرية او تحقيرا او تصغيرا لدين او مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده او شعائره او في طقوسه او في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تتجاوز 75 دينارا او باحدى هاتين العقوبتين».
والطرق المبينة في المادة 101 من قانون الجزاء هي القول والصياح والكتابة والرسوم والصور، هذا بالاضافة الى اي وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر.
وحيث ان الدستور كفل حرمة وحرية العقائد الدينية، فنص في المادة 35 منه على ان «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الاديان طبقا للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام او ينافي الآداب»، ولا مرية في ان الشريعة الاسلامية اقرت حرية الاعتقاد، وهو ما يتضح من قوله جل وعلا «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم».
ولقد ارتأى المشرع تجريم المساس بالاديان والمذاهب الدينية حرصا على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي من جانب العابثين بالاديان، الامر الذي يمكن ان يعرض المجتمع بأسره الى اضرار بالغة الخطورة، وذلك لحساسية المسائل الدينية، والجريمة المنصوص عليها في المادة 111 من قانون الجزاء يقوم ركنها المادي على وجود آراء مذاعة تتضمن سخرية و تحقيرا او تصغيرا لدين او مذهب ديني، فالجاني يتعمد اثارة مشاعر ابناء طائفة من الطوائف التي تعتنق هذا الدين او المذهب، ويشترط ان يكون ذلك باحدى طرق العلانية الموضحة، كما يشترط ان تكون السخرية او التحقير او التصغير من خلال الطعن في عقائد او شعائر هذا الدين او المذهب، او في طقوسه او تعاليمه، ومن ثم يقع التعدي بكل ما يعد قدحا او ذما فيه، ويكفي ان يكون ذلك بالتلميح الذي يفهمه افراد المجتمع في العادة، اما الركن المعنوي لهذه الجريمة فإنه يقوم على القصد الجنائي العام بعنصري العلم والارادة، وقد اثار الدفاع في المرافعة الشفوية والمذكرة المقدمة الى المحكمة ان التيار السلفي لا يعد مذهبا من المذاهب الاربعة المعلومة للكافة، وبالتالي فإن نص مادة الاتهام لا ينطبق عليه لاسيما وانه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص الجزائية، وهذا الدفاع في غير محله، اذ ان المقصود بعبارة «مذهب ديني» الواردة في نص مادة الاتهام هو اي مذهب يتعلق بأي دين من الاديان السماوية الثلاثة (الاسلام والمسيحية واليهودية) التي اشارت اليها المذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها لنص المادة 35 منه، ويتكون المذهب الديني من مجموعة من الافكار والمعتقدات والآراء التي يتنباها وينشرها احد الأئمة المجتهدين، مضافا اليها آراء تلاميذه واتباعه لترتبط - بعضها ببعض - ارتباطا يجعل منها وحدة متسقة ومن اشهر مذاهب الدين الاسلامي المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وهي مذاهب اهل السنة المشهورة، والمذهب الجعفري والزيدي والاسماعيلي وهي مذاهب الشيعة المشهورة، هذا بالاضافة الى المذهب الظاهري والاياضي والمعتزلي والاشعري، الخ، اما السلفية فهي منهج اسلامي يدعو الى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الامة من الصحابة والتابعين وكل من تبعهم من الأئمة اصحاب المذاهب الاربعة (ابو حنيفة النعمان ومالك بن انس ومحمد بن ادريس الشافعي واحمد بن حنبل)، وكذلك سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث بن سعد والاوزاعي وابن المبارك والبخاري ومسلم وسائر اصحاب السنن، هذا بالاضافة الى من سار على طريقتهم مع تباين العصور مثل ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب، وكلمة السلفية ترادف عدة اسماء شرعية اخرى منها اهل السنة والجماعة، وبالتالي فإن المحكمة ترى في تحقير المنهج السلفي على النحو الذي اتاه المتهم تحقيرا لمذاهب اهل السنة كلها، وحتى على فرض ان ذلك التحقير لايشمل إلا جزءا من هذه المذاهب، فإن الجريمة تظل قائمة بتحقير جزء من مذهب ديني هو المذهب السني.
وحيث انه لما كان ما تقدم جميعه وبناء عليه وكانت المحكمة تطمئن كل الاطمئنان الى ادلة الثبوت السالف ايرادها، وذلك لسلامة مأخذها ولخلوها من ثمة شائبة، ولتساندها مع بعضهما البعض، ولكفايتها - مضمونا ومؤدى - في التدليل على صحة التهمة الثانية المسندة الى المتهم، وثبوتها في حقه بالوصف الذي اسبغته النيابة العامة على الواقعة، ومن ثم فإنها تعول عليها في ادانته، ويكون قد استقر في ضميرها ووجدانها - بيقين لا يحوطه ادنى شك - ان المتهم - في الزمان والمكان سالفي الذكر - قد ارتكب الجنحة المنصوص عليها في المادة 111 من قانون الجزاء بكيفها ووصفها الواردين في تقرير الاتهام، ومن ثم فإنها تقضي بمعاقبته عنها بالعقوبة المقررة في المادة سالفة الالماح عملا بنص المادة 1/172 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق